في هذا الركن الجميل، لم تكن هناك مجرد مكاتب وطاولات وأوراق، بل كانت هناك عوالم تولد من تحت يديّ وأيدي طاقمي. كنا نرسم الجمال، نبنيه بخطوطٍ دقيقة وألوانٍ ناطقة، أضع فيه شيئًا من روحي في كل مشروع، في كل زاوية ظل، في كل نافذة تطل على الأمل.
كم من زبون جلس على هذا الكرسي وخرج وفي يده حلمه: بيت العمر، وقد رآه مرسوماً أمامه بعيون الأمل والرضا
وكم من مقاولٍ جاء يناقش تفاصيل مشروعٍ جديد، نختلف ونتفق، ثم نمضي معًا نحو بناءٍ يحكي قصة من الحجر والضوء
كم من طالبٍ جلس أمامي هنا، يتعلّم كيف تكون العمارة فنًّا وحياة، لا مجرد مهنة
وكم من فكرةٍ وُلدت هنا وتحولت إلى مبنى يضم الضحكة والدمعة، الصمت والضجيج، الحياة كما هي، جميلة بكل تفاصيلها
لكن الحرب، بوحشيتها، لم تترك شيئًا من هذا الركن. المكتب الذي كان صومعتي، ومرسمي، ومكاني الذي أعشقه… دُمّر. بقي التراب والحطام، واختفى الخشب والنور والورق. اختفى الحبر الذي طالما عبّر عن الأمل.




ومع ذلك، لم تُهزم الروح
لأن المعمار الحقيقي لا يسكن الجدران، بل يسكن الفكرة. لأن الجمال لا يُقصف، بل يُبعث من جديد من رماد الدمار. سأعود، ذات يوم، أحمل قلمي من جديد، وأرسم شرفاتٍ للحرية، وأبوابًا للحياة، وحدائق تنبت من بين الركام
سأعود لأنني لم أفقد المكتب فحسب… بل فقدت جزءًا من ذاكرتي. لكنني لم أفقد رسالتي
أنا المعماري الذي هُدّم مكتبه ومنزله… لكن لم تُهدم روحه
معماري رامي فتحي ابوريدة
كتاباتي … من خيمتي …مواصي خانيونس


